سورة طه - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132)}
قوله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ} 20: 131 وقد تقدم معناه في الحجر. {أَزْواجاً} مفعول بـ {مَتَّعْنا}. و{زَهْرَةَ 20: 131} نصب على الحال.
وقال الزجاج: {زَهْرَةَ 20: 131} منصوبة بمعنى {مَتَّعْنا} لان معناه جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة، أو بفعل مضمر وهو {جعلنا} أي جعلنا لهم زهرة الحياة الدنيا، عن الزجاج أيضا.
وقيل: هي بدل من الهاء في {بِهِ} على الموضع كما تقول: مررت به أخاك. وأشار الفراء إلى نصبه على الحال، والعامل فيه {مَتَّعْنا} قال: كما تقول مررت به المسكين، وقدره: متعناهم به زهرة في الحياة الدنيا وزينة فيها. ويجوز أن ينتصب على المصدر مثل {صُنْعَ اللَّهِ} و{وَعَدَ اللَّهُ} وفيه نظر. والأحسن أن ينتصب على الحال ويحذف التنوين لسكونه وسكون اللام من الحياة، كما قرئ: {ولا الليل سابق النهار} بنصب النهار بسابق على تقدير حذف التنوين لسكونه وسكون اللام، وتكون {الحياة} مخفوضة على البدل من {ما} في قوله: {إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ} فيكون التقدير: ولا تمدن عينيك إلى الحياة الدنيا زهرة أي في حال زهرتها. ولا يحسن أن يكون {زهرة} بدلا من {ما} على الموضع في قوله: {إِلى ما مَتَّعْنا} لان {لِنَفْتِنَهُمْ 20: 131} متعلق بـ {مَتَّعْنا} و{زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا 20: 131} يعني زينتها بالنبات. والزهرة، بالفتح في الزاي والهاء نور النبات. والزهرة بضم الزاي وفتح الهاء النجم. وبنو زهرة بسكون الهاء، قاله ابن عزيز. وقرأ عيسى بن عمر {زهرة} بفتح الهاء مثل نهر ونهر. ويقال: سراج زاهر أي له بريق. وزهر الأشجار ما يروق من ألوانها.
وفي الحديث: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزهر اللون أي نير اللون، يقال لكل شيء مستنير: زاهر، وهو أحسن الألوان. {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} 20: 131 أي لنبتليهم.
وقيل: لنجعل ذلك فتنة لهم وضلالا، ومعنى الآية: لا تجعل يا محمد لزهرة الدنيا وزنا، فإنه لا بقاء لها. {وَلا تَمُدَّنَّ 20: 131} أبلغ من لا تنظرن، لان الذي يمد بصره، إنما يحمله على ذلك حرص مقترن، والذي ينظر قد لا يكون ذلك معه: مسألة: قال بعض الناس سبب نزول هذه الآية ما رواه أبو رافع مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: نزل ضيف برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسلني عليه السلام إلى رجل من اليهود، وقال قل له يقول لك محمد: نزل بنا ضيف ولم يلف عندنا بعض الذي يصلحه، فبعني كذا وكذا من الدقيق، أو أسلفني إلى هلال رجب فقال: لا، إلا برهن: قال: فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: {والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه اذهب بدرعي إليه} ونزلت الآية تعزية له عن الدنيا. قال ابن عطية: وهذا معترض أن يكون سببا، لان السورة مكية والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي بهذه القصة التي ذكرت، وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها، وذلك أن الله تعالى وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل، ثم أمر نبيه بالاحتقار لشأنهم، والصبر على أقوالهم، والاعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا، إذ ذلك منصرم عنهم صائر إلى خزي. قلت: وكذلك ما روى عنه عليه السلام أنه مر بإبل بني المصطلق وقد عبست في أبوالها وأبعارها من السمن فتقنع بثوبه ثم مضى، لقوله عز وجل: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ 20: 131} الآية. ثم سلاه فقال: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى 20: 131} أي ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا أولى، لأنه يبقى والدنيا تفنى.
وقيل: يعني بهذا الرزق ما يفتح الله على المؤمنين من البلاد والغنائم. قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} 20: 132 أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم، ويصطبر عليها ويلازمها: وهذا الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدخل في عمومه جميع أمته، واهل بيته على التخصيص. وكان عليه السلام بعد نزول هذه الآية يذهب كل صباح إلى بيت فاطمة وعلى رضوان الله عليهما فيقول«الصلاة». ويروى أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله، وهو يقرأ {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ 20: 131} الآية إلى قوله: {وَأَبْقى 20: 71} ثم ينادي بالصلاة: الصلاة يرحمكم الله، ويصلي: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي وهو يتمثل بالآية. قوله تعالى: {لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً} 20: 132 أي لا نسئلك أن ترزق نفسك وإياهم، وتشتغل عن الصلاة بسبب الرزق، بل نحن نتكفل برزقك وإياهم، فكان عليه السلام إذا نزل بأهله ضيق أمرهم بالصلاة. وقد قال الله تعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات 56]. قوله تعالى: {وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى} 20: 132 أي الجنة لأهل التقوى، يعني العاقبة المحمودة وقد تكون لغير التقوى عاقبة ولكنها مذمومة فهي كالمعدومة،


{وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135)}
قوله تعالى: {وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ} 20: 133 يريد كفار مكة، أي لولا يأتينا محمد بآية توجب العلم الضروري. أو بآية ظاهرة كالناقة والعصا. أو هلا يأتينا بالآيات التي نقترحها نحن كما أتى الأنبياء من قبله: قال الله تعالى: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى} 20: 133 يريد التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة، وذلك أعظم آية إذ أخبر بما فيها. وقرى {الصحف} بالتخفيف.
وقيل: أو لم تأتيهم الآية الدالة على نبوته بما وجدوه في الكتب المتقدمة من البشارة.
وقيل: أو لم يأتهم إهلاكنا الأمم الذين كفروا واقترحوا الآيات، فما يؤمنهم إن أتتهم الآيات أن يكون حالهم حال أولئك. وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو ويعقوب وابن أبي إسحاق وحفص: {أولم تأتيهم} بالتاء لتأنيث البينة. الباقون بالياء لتقدم الفعل ولان البينة هي البيان والبرهان فردوه إلى المعنى، وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم. وحكى الكسائي {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى 20: 133} قال: ويجوز على هذا {بينة ما في الصحف الأولى}. قال النحاس إذا نونت {بَيِّنَةُ} ورفعت جعلت {ما} بدلا منها وإذا نصبتها فعلى الحال، والمعنى: أو لم يأتهم ما في الصحف الأولى مبينا. قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ} 20: 134 أي من قبل بعثة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزول القرآن {لَقالُوا} أي يوم القيامة {رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا} 20: 134 أي هلا أرسلت إلينا رسولا. {فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى} 20: 134 وقرى: {نَذِلَّ وَنَخْزى 20: 134} على ما لم يسم فاعله.
وروى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الهالك في الفترة والمعتوه والمولود قال: «يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول- ثم تلا- {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا 20: 134}- الآية- ويقول المعتوه رب لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا ويقول المولود رب لم أدرك العمل فترفع لهم نار فيقول لهم ردوها وادخلوها- قال- فيردها أو يدخلها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل قال فيقول الله تبارك وتعالى إياك عصيتم فكيف رسلي لو أتتكم». ويروى موقوفا عن أبي سعيد قوله وفية نظر وقد بيناه في كتاب التذكرة وبه احتج من قال: إن الأطفال وغيرهم يمتحنون في الآخرة. {فَنَتَّبِعَ} 20: 134 نصب بجواب التخصيص. {آياتِكَ} يريد ما جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ 20: 134} أي في العذاب {وَنَخْزى 20: 134} في جهنم، قاله ابن عباس.
وقيل: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ 20: 134} في الدنيا بالعذاب {وَنَخْزى 20: 134} في الآخرة بعذابها. {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ} 20: 135 أي قل لهم يا محمد كل متربص، أي كل المؤمنين والكافرين منتظر دوائر الزمان ولمن يكون النصر. {فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى} 20: 135 يريد الدين المستقيم والهدى والمعنى: فستعلمون بالنصر من اهتدى إلى دين الحق.
وقيل: فستعلمون يوم القيامة من اهتدى إلى طريق الجنة.
وفي هذا ضرب من الوعيد والتخويف والتهديد ختم به السورة. وقرى {فسوف تعلمون}. قال أبو رافع: حفظته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذكره الزمخشري. و{من} في موضع رفع عند الزجاج.
وقال الفراء: يجوز أن يكون في موضع نصب مثل. {والله يعلم المفسد من المصلح}. قال أبو إسحاق: هذا خطأ، لان الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، و{من} ها هنا استفهام في موضع رفع بالابتداء، والمعنى: فستعلمون أصحاب الصراط السوي نحن أم أنتم؟. قال النحاس: والفراء يذهب إلى أن معنى. {مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ 20: 135} من لم يضل وإلى أن معنى. {وَمَنِ اهْتَدى 20: 135} من ضل ثم اهتدى. وقرأ يحيى بن يعمر وعاصم الجحدري {فسيعلمون من أصحاب الصراط السوا} بتشديد الواو بعدها ألف التأنيث على فعلى بغير همزة، وتأنيث الصراط شاذ قليل، قال الله وتعالى: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] فجاء مذكرا في هذا وفي غيره، وقد رد هذا أبو حاتم قال: إن كان من السوء وجب أن يقال السوأى وإن كان من السواء وجب أن يقال: السيا بكسر السين والأصل السويا. قال الزمخشري: وقرى {السواء} بمعنى الوسط والعدل، أو المستوي. النحاس وجواز قراءة يحيى بن يعمر والجحدري أن يكون الأصل {السوأى} والساكن ليس بحاجز حصين، فكأنه قلب الهمزة ضمة فأبدل منها واوا كما يبدل منها ألف إذا انفتح ما قبلها. تمت والحمد لله وحده.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11